سوريا: أمراء حرب أم ملوك الطوائف؟!

  • فارس الذهبي – أورينت نت
  •  
  • تاريخ النشر: 2015-01-07 22:00

كلمات مفتاحية

    لم يكن للمواطن السوري حتى في أسوأ كوابيسه أن يتخيل أن يصل به وضع بلاده إلى هذا المستوى من التردي بعد الحرب الطاحنة التي تدور على أرضه وبين أزقته ومن فوق أسطح منازل الناس، فالوضع الميداني على أرض المعركة في سوريا التي أصبحت صندوق بريد للدول العظمى والإقليمية سيئ للغاية، فالثورة السورية التي ابتلعت كما ابتُلعت العديد من الثورات أثناء ولادتها الطويلة، من ثورة مصر إلى الثورة التونسية وصولًا إلى الاقتتال الليبي ما بعد الثورة، وحتى المرحلة الحالية التي وصلت إليها من بقاء الكبار على الأرض فلا مكان حاليًا للصغار على أرض الميدان، سواءً كانت فصائل صغيرة أو قادة محليين أو قادة محاور بسيطة، فالسمكة الكبيرة تبتلع الأسماك الصغيرة وهذا ما حصل حينما تاسست الجبهة الشامية التي ابتلعت “جيش المجاهدين”، و “الجبهة الإسلامية"، و"حركة نور الدين زنكي"، وجبهة الأصالة والتنمية، وتجمع "فاستقم كما أُمِرْت"، لتؤسس لفريق عسكري ضخم، أما في الجنوب فالجيش الأول الذي ولد منذ أيام فابتلع جميع فصائل الجبهة الجنوبية على الاطلاق مثل “فرقة الحمزة" و"فوج المدفعية الأول" و"جبهة ثوار سوريا"، لتكون القوة الضاربة الرئيسية في المنطقة الجنوبية.

    وتأتي هذه التكتلات الجديدة كمحاولة للوقوف في وجه الحيتان الجديدة على الأرض، فتنظيم الدولة الاسلامية الذي اجتاح لوحده ثلث الأراضي السورية وجبهة النصرة التي اجتاحت الثلث الآخر أصبحتا قوتين كبيرتين لا يستهان بهما وحتى التحالف الدولي أصبح يحسب ألف حساب لمواجهتهما ، وتبقى قوات الموالاة التي تضم الميليشيات الشيعية القادمة من العراق بشكل واضح وقوات حزب الله الذي يسيطر بشكل تام على ريف دمشق الغربي ومنطقة القلمون و لم يتبقّ للجيش السوري سوى حماية المدن دون أريافها والتحصن بها كما يقول الواقع العسكري، ولو قدّر لخطة استيفان دي ميستورا أن ترى النور لتحولت سوريا إلى إمارات يديرها أمراء حرب يحكم كل منهم منطقته العسكرية فقط.

    ويبدو أن تاريخ بلاد الشام يعيد نفسه مرارًا وتكرارًا فالدولة المركزية كانت على الدوام حالة نادرة في التاريخ السوري، كما حصل في الدولة الأموية والعباسية و مؤخرًا الجمهورية السورية، قبل بداية الانقلابات العسكرية التي تأسست منذ ستين تقريبًا على أنقاض دول طائفية رفضها الشعب السوري مثل دولة العلويين ودولة الدروز و دولة حلب و دولة دمشق، هذا التشتت يشبه بشكل كبير التوزيع الجغرافي الذي حصل إبان الفترة الصليبية التي كانت فيها المناطق تحكم حسب الإمارات وعلى عموم أراضي بلاد الشام ، وكانت تلك المناطق تخضع لمد وجزر المنتصر عسكريًا على الدوام كما يحصل حاليًا في الواقع السوري وذلك حسب الدعم الذي يحصل عليه كل أمير من الخارج إن كان من الغرب أو من الشرق ، ولكن ربما يكون واقع أمراء الحرب أقل سوءاً من الواقع الذي يريد الآخرون فرضه في سوريا طائفيًا عبر سيناريوهات طائفية تشبه إلى حد كبير مؤتمر الطائف الذي كان إطارًا للحياة السياسية اللبنانية حتى الآن، والذي بموجبه اقتسمت الطوائف الدينية الجسد اللبناني دون أمراء الحرب، فلقد ارتأى مهندسو الطائف إلى أن فرض واقع ديني أخف وطأة من فرض واقع عسكري، فقسموا السلطات تقسيمًا دينيًا ما لبث أن انقلب عليه قادم جديد هو حزب لله عسكريًا مهددًا السلم الأهلي المهزوز في ذك البلد.
    ولكن الوضع في سوريا مختلف تمامًا فحساسية الشعب كبيرة جدًا لأي طرح طائفي لا يحترم مدنية ووحدة سوريا وعليه كان هناك رفض للدويلات الطائفية التي شكلها الفرنسيون في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين والتي استمرت ستة عشر عامًا منذ 1920 وحتى 1936.

    ويرفض التقسيم الطائفي الواقع في العراق عبر تقسيمه إلى ثلاثة أقاليم طائفية، وعليه فإن كل طموحات الأغلبية الصامتة من الشعب السوري في الحصول على دولة واحدة جامعة حضارية يحكمها العدل والقانون قد تذهب هباءً إن لم ينتفض أحد ما ويرفض مبدأ المحاصصة، فلا أمراء الحرب مقبولون شعبيًا ولا ملوك الطوائف أيضًا.
    وعلى الرغم من الحراك الروسي الأخير الذي يحاول جمع ممثلين من المعارضة على طاولة واحدة مع النظام في موسكو1 فإن الواقع الميداني في واد آخر تمامًا، فمن يحكم التراب السوري حاليًا أكبر بكثير ممن تريد روسيا جمعهم في موسكو ووربما على المؤتمرين في موسكو أن يجيبوا على أسئلة من نوع : ماذا عن التنظيمات المتطرفة السنية والشيعية على التراب السوري؟ ومن سيتحمل مسؤولية التعامل معهم ومع انتهاكاتهم؟
    هي أسئلة لن يجيب عليها أمراء أو ملوك أورؤساء بل الشعب نفسه.

    تعليقات